تحذيرات تركية حاسمة- سوريا على مفترق طرق، ووحدتها خط أحمر

المؤلف: سمير العركي08.22.2025
تحذيرات تركية حاسمة- سوريا على مفترق طرق، ووحدتها خط أحمر

في تصريح بالغ اللهجة، حذر وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، من أي مساعٍ لتقسيم سوريا وزعزعة استقرارها، مؤكدًا أن أنقرة ستعتبر ذلك "تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي" وسوف تتدخل. جاءت هذه التصريحات القوية خلال مؤتمر صحفي عقده فيدان مع نظيرته السلفادورية، ألكسندرا هيل، في أنقرة في الثاني والعشرين من يوليو/تموز الجاري، تعليقًا على الأحداث المتصاعدة في السويداء السورية.

تُعد هذه التصريحات من بين المرات النادرة التي يتحدث فيها فيدان بهذه الدرجة من الحدة، إذ يُعرف عنه الهدوء والتروي في اختيار الكلمات. لكن يبدو أن تركيا تستشعر خطرًا جيوستراتيجيًا داهمًا قادمًا من الجارة السورية، بعد أن ظنت أن سنوات طويلة من التهديدات للأمن القومي قد ولت إلى غير رجعة.

على الرغم من الهدوء النسبي الذي يسود مدينة السويداء عقب اشتباكات دامية شهدتها المدينة وأريافها، إلا أن التداعيات لا تزال تلقي بظلالها القاتمة على سوريا ودول الجوار حتى لحظة كتابة هذه السطور.

تشير التقديرات إلى هشاشة الأوضاع الأمنية، لا سيما مع التدخل الإسرائيلي المعلن بحجة حماية الدروز، والذي وصل إلى حد شن عدوان غاشم على العاصمة دمشق، مما أدى إلى تدمير مبنى وزارة الدفاع تدميرًا كاملًا.

كما أتاحت هذه الأحداث فرصة لارتفاع أصوات الانفصاليين داخل المكون الدرزي، وتحديدًا الفصيل الذي يقوده شيخ العقل، حكمت الهجري، بالإضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال شرق سوريا.

تسعى تل أبيب جاهدة لبسط سيطرتها ونفوذها على المنطقتين بذريعة الدفاع عنهما، وتحاول إنشاء ممر يربط الجنوب السوري بالشمال الشرقي، يُعرف باسم "ممر داود".

تدرك أنقرة تمام الإدراك أنها الطرف الأكثر تأثرًا بالتداعيات والآثار الإستراتيجية الوخيمة المحتملة في حال نجاح هذه المخططات.

استشعار الخطر

بالعودة إلى تصريحات الوزير فيدان، نجد أنها تقدم رؤية شاملة ومتكاملة لمن أراد فهم الموقف التركي، سواء من حيث التقييم أو من ناحية كيفية التعامل مع التداعيات المحتملة.

  • أولًا: الرفض القاطع لأي أعمال انفصالية والتحذير الشديد منها، باعتبارها تهديدًا مباشرًا وصريحًا للأمن القومي التركي. وقد أصاب فيدان حينما شبه السعي نحو التقسيم بـ "الكارثة الإستراتيجية الكبرى".

ذلك أن تداعيات هذه الكارثة لن تقتصر على سوريا فحسب، بل ستمتد لتشمل المنطقة بأسرها، وتركيا، بحكم موقعها الجغرافي المتاخم لسوريا وحدودها المشتركة التي تمتد لأكثر من 900 كيلومتر، ستكون المتضرر الأكبر من هذه التداعيات، كما حدث في السنوات الماضية.

لذا كان التحذير واضحًا للأطراف السورية بعدم الانجرار إلى "لعبة وضعها الآخرون"، ومطالبتهم بأن يكونوا "أفرادًا ينتمون إلى أرضهم، يعيشون بكرامة ومساواة وأمان".

كما شمل التحذير التركي "بعض الدول" التي تهدف إلى "تقسيم سوريا إلى أربعة أجزاء على الأقل، وخلق بيئة غير مستقرة وضعيفة تؤدي إلى مزيد من الهجرة الجماعية والإرهاب والجريمة في المنطقة".

  • ثانيًا: اتهام إسرائيل بشكل مباشر بالسعي إلى زعزعة استقرار سوريا، حيث أكد فيدان أن إسرائيل لم تتوقع أن تحظى سوريا بدعم المجتمع الدولي، قائلًا: "عندما رأت أن سوريا، التي كانت تتوقع أن تغرق في الفوضى من تلقاء نفسها، تنجح في الخروج من الفوضى بدعم دولي، شعرت بالحاجة إلى التدخل فورًا، ووضعت خطة باستخدام الدروز كذريعة".

وأضاف أن إسرائيل تتبع هذه الإستراتيجية ليس فقط تجاه سوريا، بل تجاه جميع جيرانها في المنطقة، مؤكدًا أهمية أن تتراجع عن هذه الإستراتيجية قبل فوات الأوان.

لكن هل ستبقى تركيا مكتوفة الأيدي تجاه هذا العبث الإسرائيلي؟ فيدان أكد أن "تركيا ودول المنطقة لا يمكنهما البقاء صامتتين تجاه تصرفات إسرائيل".

لكن الأهم ليس ما تريده تركيا ودول المنطقة، بل قدرتها على تحويل هذه "الإرادة" إلى سياسات وإجراءات تردع تل أبيب عن مواصلة العبث الجنوني في المنطقة، الذي يبدو أنه لن يتوقف قبل أن يشعل النيران في كل مكان!

  • ثالثًا: العمل على حصر التمرد داخل الدروز في التيار الذي يقوده حكمت الهجري، الذي اتهمه فيدان بأنه يتصرف "كوكيل لإسرائيل"، مؤكدًا أن الهجري "أبدى موقفًا رافضًا لأي حل من شأنه أن يُسهم في الاستقرار والسلام".

من المعروف أن أنقرة تربطها علاقات وثيقة مع الزعيم الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، الذي زار تركيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتقى بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد يوم واحد فقط من لقاء رئيس الإدارة الجديدة في سوريا آنذاك، أحمد الشرع.

ويبدو أن اللقاء -الذي لم يتم الكشف عن تفاصيله- قد تناول في وقت مبكر من سقوط نظام بشار الأسد، طبيعة العلاقات المستقبلية بين النظام الجديد في سوريا والمكون الدرزي.

حاول جنبلاط منذ ذلك الحين أن يلعب دورًا متوازنًا، بدفع الدروز إلى الانخراط في الدولة الجديدة على أسس المواطنة والمساواة، لكن غلبة تيار الهجري واستقواءَه بإسرائيل قد أطاحا بتلك الجهود.

لذلك، يسعى الخطاب التركي إلى حصر الأزمة في ذلك التيار، وعدم تعميمه على جميع مكونات الطائفة، حيث تؤكد أنقرة أن تيارين من التيارات الثلاثة داخل الدروز يدعمان الدولة ويتناغمان معها.

وطالب فيدان الدروز بأن يتحدثوا عما يريدون "إلا التقسيم"، مؤكدًا أن تركيا ستساعدهم بكل ما تستطيع، لكنها لن تظل "تحت التهديد" إذا تم تجاوز المطالب المشروعة إلى السعي نحو التجزئة المرفوضة.

  • رابعًا: كان من المفيد أيضًا تذكير مكونات المنطقة العرقية والمذهبية بما حدث مع الدولة العثمانية، التي تم استغلال ورقة الأقليات ضدها لهدم الدولة عبر تأجيج الصراع بين هذه المكونات.

حيث لفت فيدان إلى ضرورة التخلي "عن الأفكار التي بدأت بالتكوّن في القرنين: الـ18 والـ19، والتي أُريقت بسببها الكثير من الدماء، وعفا عليها الزمن"، لكنها "ما زالت تُستخدم كأيديولوجيا من قبل القوى المهيمنة على هذه الأرض، وكإشارة لتحريك العناصر الوكيلة".

فشعوب المنطقة وطوائفها لا تزال تحتفظ في ذاكرتها بالعديد من الأحداث المؤلمة التي أُزهقت فيها الأرواح بغزارة، بتحريض القوى الخارجية كفرنسا وبريطانيا في تلك الحقبة، والتي يتم تكرارها الآن ولكن بوجوه مختلفة.

تحذير "قسَد"

بينما تراقب تركيا تطورات الجنوب السوري عن كثب، فإن تحركات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ووحدات الحماية الكردية "YPG" تظل في صميم اهتمامات أنقرة.

إذ تدرك أن تلك القوات لا تزال تلعب دورًا محوريًا ورئيسيًا في إشعال الفتنة في سوريا، وهذا ما أكده الوزير فيدان بقوله: "عندما يحدث شيء في الجنوب، نرى أن فلول النظام السابق تتحرك لتحريض العلويين السوريين الشرفاء هناك. ومن جهة أخرى، نجد أن تنظيم (YPG) يتحرك على الفور".

ثم عاد فيدان بعد ذلك بأيام قليلة، ليؤكد في حوار تلفزيوني مع قناة محلية تركية، ضرورة أن تتوصل قوات "قسَد" فورًا "وبصورة طوعية إلى اتفاق مع الحكومة المركزية، وأن تتخذ خطوات حقيقية وحازمة لتطبيق هذا الاتفاق"، متوقعًا قيام وحدات الحماية (أحد أفرع حزب العمال الكردستاني) بإلقاء أسلحتها.

أكدت تركيا على لسان وزير خارجيتها أنها "مستعدة لأي سيناريو، وأنه ليس لديها صبر على أربعين عامًا أخرى من الوقت الضائع"، في إشارة إلى عدم سماحها بتكرار تجربة حزب العمال مرة أخرى بعد أن قرر حل نفسه وإلقاء سلاحه.

الأسلحة الجديدة

بالتوازي مع هذه التحذيرات، كشفت تركيا عن عدد من الأسلحة المتطورة والمهمة التي لم يكن مُعلنًا عنها من قبل، في خطوة لا يمكن فصلها بطبيعة الحال عن التطورات المتصاعدة في المنطقة بشكل عام، كما يُعد هذا الكشف رسالة واضحة لإسرائيل في المقام الأول، بالإضافة إلى أطراف أخرى.

وأهم هذه الأسلحة محلية الصنع:

  • الصاروخ الفرط صوتي الجديد تايفون "B4" الذي يتراوح مداه بين 800 و2000 كيلومتر، حيث توقع قائد القوات البرية التركية، الجنرال سلجوق بيرقدار أوغلو، أن يكون الصاروخ أحد أهم وأسرع الصواريخ الباليستية في العالم بعد تطويره وتحديثه.
  • القنبلة "NEB-2" التي تتمتع بقدرة اختراق تصل إلى عمق 80 مترًا تحت الأرض وتدمير 7 أمتار من الخرسانة عالية الكثافة، وتتميز بوزنها الخفيف الذي يبلغ طنًا واحدًا فقط، مما يعني إمكانية إلقائها من مقاتلة "F-16"، على عكس القنابل الأميركية المماثلة التي تتطلب قاذفات إستراتيجية نظرًا لوزنها الثقيل.
  • صاروخ "300-ER"، الذي يتم إطلاقه جوًا، وهو قادر على ضرب أهداف على بعد يزيد عن 500 كيلومتر، ويمكن إطلاقه من الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار.

ويبقى السؤال:

هل تركيا عازمة على تحويل هذه التحذيرات إلى إجراءات عسكرية على أرض الواقع؟

في تقديري، فإن السعي لتقسيم سوريا، سواء في الماضي أو الحاضر، يمثل بالنسبة لصناع القرار في أنقرة تهديدًا مماثلًا لتقسيم تركيا نفسها.

لذلك، تدخل الجيش التركي في الشمال السوري منذ أغسطس/آب 2016، ونفذ عدة عمليات عسكرية لمنع إنشاء ممر انفصالي لصالح حزب العمال يمتد من القامشلي شرقًا إلى البحر الأبيض المتوسط غربًا.

واليوم، ستعيد الكَرّة مرة أخرى وبشكل أوسع إذا حاولت أي جماعة انفصالية تهديدها.

خاصة وأن تركيا اليوم ليست بمفردها، بل تعمل في إطار توافق إقليمي مع دول مثل السعودية وقطر والأردن، يهدف إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ودعم استمرار حكم الرئيس أحمد الشرع.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة